Wednesday 13 March 2013

ثورة في الجنة


قد انتهى نسبياً كل شئ أو هكذا تصوروا حين سمعوا صوت نفير البوق.
حان وقت كشف الإجابات وسقوط علامات الاستفهام التي طالما أرقته في حياة لم يختارها ولكنه اختار طريقها الآمن طمعاً في نهاية أفضل من بدايتها المفروضة عليه.

فمنذ الصغر علم أنه يملك رفاهية اختيار نتيجة امتحانه وإن كانت الإختيارات محدودة بين نيران ملتهبة بلون الدم تلهتم عظامه للأبد أو جنة غناء لا جوع  فيها ولا كدر للأبد.

للأبد! كلمة إعتاد ترديدها لتضخيم الحدث والمبالغة, الكلمة التي لم يدركها أحدنا يوماً وتفتقد التجربة والمعرفة بالنسبة لعقلنا البشري المحدود. يالا ما علينا خلينا نكمل.

بعد أن عاش عمراً يخدم المجهول, يخدم أهله, يخدم المجتمع من حوله, يخدم القوانين والقواعد بإتباعها ويخدم جسده حتى يتحمله ويتحمل معه.
الأن استلم نتيجة الأمتحان ونال الفوز الكبير, التزم جانب الحائط في هذا المشوار الطويل على أمل أن يرحل منها في سلام, أن يرحل والسلام.
ثم مات ثم بٌعث ثم الجنة.
المهم إن صاحبنا عدى منها على خير.

أليست الجنة الغناء هي الخير؟ أليست المنتهى وغاية الأمل؟ ألم يوفي بارئه بوعوده كاملة مكملة وما زاد عنها الكثير؟

John William Waterhouse - Echo and Narcissus
ألم يحلم بكل هذا, يشرب من الأنهار فلا تجف ويقطف من الأشجار فلا تتعرى ويتمتع بالحور العين فلا يجد وصف لجمالهن والملائكة في خدمته بعد أن كان يطلب رضاها ويحاول رشوتها بالأفعال تارة وبالهمس لأكتافه بينه وبينها تارة يئسا حتى ترفق به عند كتابة الصحف والتقارير اليومية
أنه حقا النعيم وليس مجازا.. الأن يحظى بكل هذا إلى اللآنهائية وما بعدها.

أكل ما أكل وشرب ما شرب وطاف في أركان الفردوس وأشبع جميع حواسه ورغباته التي ظن يوماً على الأرض أن لا سبيل لإشباعها.
الأن وبعد أن أصبح في مصاف الألهة الأبديين يستطيع أن يتنفس الصعداء ارتياحاً.

وبعد مرور بعض الوقت, كثير من الوقت أو قليله, لا أحد يعلم. فقد سقطت كل مقاييس الزمن من لحظة نفير البوق.
الوقت, كم يفتقد هذا المقياس الدنيوي, كم يفتقد انتظاره لحظات أحمرار السماء معلنه وقت غروب الشمس أو مشرقها, كم يفتقد النظر في ساعته المعدنية التي صدأت مراراً وتعطلت كثيراً ولكنه لم يستبدلها لإنها كانت من حب هجره وكان هذا ما تبقى منه.
كم يفتقد انتظار المجهول والتساؤل عما يحجبه المستقبل والضيق من مرور الوقت بطيئاً أو سريعاً حسب الموقف؟
كم سعر اللحمة الأن؟

لم يكن يدري كيف يشعر بكل هذا في الجنة, على حد علمه إنه قد تم تطهيره من كل هذه المشاعر الأرضية والأحاسيس الدنياوية, نعم يتذكر حياته على الأرض كما يفعل الأخرون في جلسات السمر يتبادلون الحكاوي والذكريات, ولكنه لا يتذكرها فقط, أنه يفتقدها ويحن لها ويتمناها. 
كل شئ هنا سهل المنال، فلم يحدث ولو مرة أن تمنى شئ فلم يجد جيش من الملائكة يسعون في تلبيته له على أكمل وجه.

يقول "أريد نسمات صيفية حارة, خد – أتمنى أفخر أنواع الخمور وسيجار كوبي, خد – أحن لصوت فيروز, خد – أحن إلى خبز أمي, خوووود"

وطبعاً شئ كهذا لم يمر على الملائكة. ذهب واحد منهم وهو الأقرب لعبده ليروي لكبير الياوران -الذي بدوره ينقل التقارير للكبير قوي- عن شعوره ومخاوفه, كما لاحظ أن عدد لا بأس به من البشريين يطلبون كثيراً مما إعتاوا عليه في الأرض:

"وده موضح في التقارير التي قُدمت إليكم وطبعاً نحن نلبي طلباتهم كما أمرتنا, ده أنا حتى أتعلمت أرول الحشيش ولا أجدعها ديلر علشان خاطر جنابهم.


Milda Aleknaite - Angels talk 
وبصراحة في المطبخ ساعة الغذاء وتبديل الشِفت يتندر الزملاء من دناوة البشريين ولاحظت تكرار جملة (مش قولناله جحا أولى بلحم توره وإنهم مجانين دي مالهاش علاقة بالأرض أو السماء).

أما عبده فهو أكثرهم غرابة فإنه دائم السؤال عن الوقت وعدد الأيام التي مرت وكم تبقى من الوقت, كم تبقى من الوقت على ماذا تحديداً لا أدري فلا أجد له جواباً مناسباً وأعتقد هو أيضا لا يدري.
ألم تسقط عنهم المقاييس الزمنية ولا أنا لبست للأبدية مع واحد مجنون؟ مجنون حتى في الجنة يا كبير؟ مصيبة إيه دي؟"

ثم أنصرف بعد تقديم التقرير وبعد أخذ أمر واضح بتلبيه أي شئ يؤمر به منهم, فلقد وعد من لا يخلف الوعد وحان وقت التنفيذ. وأنا مالي!!

نرجع لعبده الذي كاد يفقد عقله لولا عدم وجود هذا الأوبشن في الجنة.
يحادث نفسه:
"*طب ليه أنا طيب؟ ما كلهم مستمتعين والموضوع ماشي معاهم زي السكينة في الحلاوة ولا أحد يشتكي من مرور يوم ولا قرن!
 *وكيف يشتكون وهم لا يشعرون؟ كل ما حولي بألون زاهية وبوفره لم أتخيلها, ولكن إلى متى؟
*إلى الأبد,
*يعني ايه؟ قل لي وقت أفهمه, ألف, اتنين, مليون, ماذا؟ كم إلى الأبد؟ بتعمل كام عندكم يعني؟ طيب بعد الأبد هنعمل ايه؟
*هنفضل هنا!
*إلى متى؟
*إلى الأبد اللي بعد الأبد الأولاني وهكذا.. حتى مممممم,
*ها؟
*الأبد!!
*ايه العمل يا عبده في المصيبة دي؟ طب عايز ايه يا حزين؟
*أنا بدي أروح بلدي!
*أنت هتكفر في الجنة يا متخلف؟ إللي ماعملتها على الأرض جاي تكفر بالنعمة هنا؟؟
*خلاص انتحر.

*مفيش الكلام ده هنا, ده أنا لما فكرت أنط  من على سطوح القصر علشان وحشني شعور المغامرة واحساس احتمالية الفشل التي تجعل من أي شئ مثير ويستحق التجربة لقيت جناحات طلعالي فضلت أطير وعشت في دور عصفورة وحطيت على سحابة مكيفة لدرجة أن البيض كان هيفقس (زي العصفورة يعني).


بس عارف, أنا اللي دني وعيني فارغة ومايملهاش إلا التراب (هوووب كومة تراب تظهر تحت قدميه)
دول سامعين أفكاري يا معلم!! مابدهاش بقى طالما كده كده سمعينك إتكلم, مش هيفرق لو صوتك عالي شوية"

مشهد نهار/ خارجي: جلسة سمر عند نهر الخمر تجمع فيها من تبقى من مخلفات الحرب, أقصد من نجا من  معركة الدنيا, وبعد الضحكات واسترجاع ذكرياتهم المختلفة عن حياتهم السابقة وسردها للمرة المليون كأنهم يسترجعونها من أسنامهم كالجمال, يحكونها بكل تفصيلها الدقيقة, بالروائح وأسماء الشوارع والتواريخ إن أمكن


Édouard Manet - Le déjeuner sur l'herbe
"فاكر ياض لما البت إياها أدتك على قفاك, ربتلي دقنك قال إيه مكتئب كإنها اخر الدنيا! –فاكر ياله لما كنا نعدي قدام مدرسة البنات نريل قدام أي جيبا تعدي؟ مين كان يتخيل ساعتها اللي احنا فيه دلوقتي؟ -فاكر أول قاعدة مزاج وقعدت تذلنا علشان دفعت فلوس البيرة لوحدك, اهيه عندك منها بالهبل يا عم عيزك تشلح وتعوم فيها براحتك -ولا فاكر منظرك قبل نتيجة الأمتحان؟ نفس منظرك العكر قبل إي حاجة مستنيها وهتموت وتعرفها...."

قرر عبده أن يأخذ خطوته: "ايه يا رجاله, مش نفسكم نرجع تاني؟ احنا قاعدين هنا نعمل ايه؟ ولحد امتى؟"

"طيب الكلام كده مايتسكتش عليه ومحتاج تقرير سُقع واجتماع عاجل علشان نشوف اخرتها مع ولاد المجنونة دول, اللي ماعملوها بتوع النار يا خويا"

حدث الملاك نفسه قبل أن يتجه للكبير: "ربنا مسلط دماغهم عليهم ومسلطهم شخصياً علينا."

"كل خير إن شاء هو وهو أول وخير من يعلم.
كما هو موضح في تقريري أمامكم, بنو آدم يجحدون النعمة والنعيم. قال إيه عايزين يرجعوا الأرض ويسيبوا الجنة بعد ما قدنالهم جناحتنا شمع.

ولاد الوسخة عايزين يعملوا ثورة في الجنة..
وأنت سيد العارفين احنا معندناش أمن مركزي ولا غاز ولا خرطوش وكله هنا ماشي بالحب... 

خلاص أوامرك مطاعه واللي هما عايزينه مجاب كما أمرتنا ووعدهم, بس لو تسمح لي بسؤال قبل أن أفقد عقلي,

هو بعد ما يرجعوا الأرض تاني ويعيشوا تاني ويموتوا تاني ويعملوا ثورة تاني، إيه بقى؟ يعني ساعتها إيه الكلام؟ يعني أنا أقدم استقالتي فين طيب؟"

Wednesday 17 October 2012

ياللي ظلمتوا الحب, زيوس هو السبب



أنا هقولكم الحدوتة وبداية المأساة..

بص يا سيدي الحكاية كلها ابتدت يوم الأنيفرسري وبعد ما فرقعوا كام أزازة من ماركات محترمة وولعوا كام لمبة سهاري في السحاب.

هيرا طبعا كانت لابسه الحتة الأفروديت سيكرت, زيوس شاف المنظر ده طلع صواعق من ودنه من الإنشكاح.

وقبل أن ينغلق الستار ويأتي الجزء المحذوف من الرقابة قررت هيرا أن تلقي نظرة أخيرة سريعة على الكوكب البائس قبل ما تقفل الدكان.

إذ ايه؟ إذ تلاقي بشرية ذات حسن وجمال مقطعه نفسها من العياط وبتشتكي لعراف أن زيوس قد اغتصبها البارحة وهو يشيد بجمالها المبهر.

هيرا كانت هتنفجر من الغيظ مع أنها أدرى بديل جوزها ولعبه بس يعني كان أستنى يوم وأنا كنت أشخلعه.. المهم قررت تطلع عينه بالطريقة.

مسحت الحزينة دموعها ودخلت لزيوس ولا كإن في حاجة, دلع وهئ ومئ لحد ما أدلها هديتها وكانت عبارة عن أسهم بها تتحكم في قلوب العشاق بين الأدميين وتحدد من منهم يحب من.

المهم هيرا بصت بصة خبث زي بتوع السينما واللمبة نورت لما عرفت إن الحوار ده يخص البشريين وهي عارفه إن زيوس مابيحبش حد يلعب في حساباته الأرضية.



تاني يوم راحت جايبه ابن فينوس -آلهة الجمال ورئيسة الحرملك-, وكان يا حرام ملاك حديث الولادة لكن علامات التخلف باديه عليه وكان كفيف وأهبل..
Venus and Cupid, Lorenzo Lotto

قالتله بأمومة ظاهره وخبث مستتر "طالما الملايكة صحابك الوحشين مش بيلعبوا معاك,
خد يا حبيبي ألعب بالأسهم دي,
ترشقها في تيت الأدميين يسقفوا". 

الواد كيوبيد مكنش مصدق نفسه من السعادة, جري ع الأرض, هوب هوب, رشق بوبوهات الأدميين بالأسهم لما أتسلخت.. زيوس خلص دور الشطرنج وبص لقى الدنيا مقلوبة.

زيوس طبعا أستشاط غضبا ودخل بهدل هيرا "ده جزاء اللي يثق في الحريم وأنا اللي أعتبرتك مسؤولة وبتقدري الحب وأدي أخرة إهمالك يا هانم.. إلخ",
راحت مشرشحاله وعيرته بنزواته ".. ويا بتاع النساوين الأرضية, حد يسيب المهلبية وينزل يبص للتراب.. إلخ بردو.."

بعد وصلة من الردح وبعد هدوء العاصفة أكتشفوا أنهم لازم يصلحوا الغلطة دي بس بعد إيه, خلاص, محدش بيدي لعبة لطفل ويعرف ياخدها منه تاني.

ومن ساعتها يا معلم واحنا ع الحال ده, يشيل سهم من ط** فلان يرشقه في ط** علانه والأسهم قدمت وبقت يوزد لما إتهرت والحالة بتزداد سوء واحنا بنلبس..

ونفهم من كده إن زيوس وهيرا محتاجين كابل-ثيرابي وكيوبيد محتاج حضن دافي ودكتور تخاطب.

سمعني يا بني مقطوعة "قوسٌ رمى, سهماً أصاب إليتي.."